الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****
49 - من المقرّر في الشّرع الإسلاميّ: أنّ كلّ معصية ينجم عنها عدوان على حقّ إنسان أو على حقّ الأمّة فإنّ مرتكبها يخضع للحدّ أو للتّعزير أو للكفّارة، وحيث إنّ الحدود والكفّارات محدّدة شرعاً، فكلّ معصية لا حدّ فيها ولا كفّارة يمكن أن يعاقب مرتكبها على وجه التّعزير باعتبار أنّه أتى جريمةً كاملةً، بغضّ النّظر عن كون فعله يعتبر شروعاً في جريمة أخرى. انظر مصطلح: (تعزير). وعلى ذلك جمهور الفقهاء، فإنّهم يمنعون إقامة الحدّ إذا لم تتمّ السّرقة، ولكنّهم يوجبون التّعزير على من يبدأ في الأفعال الّتي تكوّن بمجموعها جريمة السّرقة. ليس باعتباره شارعاً في السّرقة، ولكن باعتباره مرتكباً لمعصية تستوجب التّعزير. وقد روي عن عمرو بن شعيب: أنّ سارقاً نقب خزانة المطّلب بن أبي وداعة، فوجد بها، قد جمع المتاع ولم يخرج به، فأتي به إلى ابن الزّبير، فجلده، وأمر به أن يقطع. فمرّ بابن عمر، فسأل فأخبر، فأتى ابن الزّبير، فقال: أمرت به أن يقطع ؟ فقال: نعم، فقال: فما شأن الجلد ؟ قال: غضبت، فقال ابن عمر: ليس عليه قطع حتّى يخرج من البيت، أرأيت لو رأيت رجلًا بين رجلي امرأة لم يصبها، أأنت حادّه ؟ قال: لا. وجمهور الفقهاء: على أنّ الشّروع في السّرقة ليس له عقوبة مقدّرة، وإنّما تطبّق فيه القواعد العامّة للتّعزير.
50 - يفرّق الفقهاء في مسائل الاشتراك في السّرقة بين الشّريك المباشر والشّريك بالتّسبّب، فأمّا الشّريك المباشر فهو الّذي يباشر أحد الأفعال الّتي تكوّن الأخذ التّامّ، وهي: إخراج المسروق من حرزه ومن حيازة المسروق منه وإدخاله في حيازة السّارق. وأمّا الشّريك بالتّسبّب فهو الّذي لا يباشر أحد هذه الأفعال المكوّنة للأخذ المتكامل، وإنّما تقتصر فعله على مدّ يد العون للسّارق، بأن يرشده إلى مكان المسروقات، أو بأن يقف خارج الحرز ليمنع استغاثة الجيران، أو لينقل المسروقات بعد أن يخرجها السّارق من الحرز. ولا يقام الحدّ إلاّ على المباشر، أمّا المتسبّب فإنّه يعزّر. ويبدو من كلام الفقهاء في الاشتراك: أنّهم يميّزون بين الشّريك والمعيّن فيعتبرون الشّريك هو الّذي يقوم مع غيره بعمل من الأعمال المكوّنة للسّرقة، وخاصّةً: هتك الحرز، وإخراج المسروق من حيازة المسروق منه، وإدخاله في حيازة السّارق، أمّا المعيّن فهو من يساعد السّارق، في داخل الحرز أو في خارجه، ولكن عمله لا يصل إلى درجة يمكن معها نسبة السّرقة إليه. وكان هذا أساس اختلافهم في تطبيق الحدّ على بعض الشّركاء دون البعض، وذلك على الوجه الآتي: أولاً - الحنفيّة: 51 - يرى الحنفيّة أنّ كلّ من دخل الحرز يعتبر شريكاً في السّرقة سواء قام بعمل مادّيّ، كأن وضع المسروق على ظهر زميله فأخرجه من الحرز، أو قام بعمل معنويّ، كأن وقف للمراقبة أو للإشراف على نقل المسروق من الحرز، وفي هذه الحالة يقام الحدّ على الجميع إذا بلغ نصيب كلّ منهم نصاباً، أمّا إذا كانت قيمة المسروق لا تكفي ليصيب كلّ واحد نصاباً، فلا يقام الحدّ، بل ينتقل إلى التّعزير. وينطبق نفس الحكم على الشّركاء إذا أخرج بعضهم ما قيمته نصاباً فأكثر، وأخرج البعض الآخر ما قيمته دون النّصاب، فإذا بلغت قيمة المسروق ما يكفي لأن يخصّ كلّ واحد منهم نصاب، قطعوا جميعاً، وإن لم يبلغ حظّ كلّ واحد نصاباً، قطع من أخرج نصاباً، وعزّر الآخرون. أمّا إذا دخل الحرز أحد الشّريكين، وبقي الآخر خارجه، ثمّ أخرج من بالدّاخل يده بالمسروق إلى خارج الحرز فتناولها شريكه، فإنّ أبا حنيفة يرى أنّ الأخذ غير تامّ بالنّسبة للدّاخل، لأنّه أخرج المسروق من الحرز ومن حيازة المسروق منه، ولكنّه لم يدخله في حيازة نفسه، بل في حيازة الخارج، فلا يقام عليه الحدّ. ويرى كذلك أنّ الأخذ غير تامّ بالنّسبة للخارج، لأنّه وإن كان المسروق دخل في حيازته، إلاّ أنّه لم يخرجه لا من حرزه ولا من حيازة المسروق منه، فلا يقام عليه الحدّ أيضاً. وذهب أبو يوسف ومحمّد إلى أنّ الأخذ تامّ بالنّسبة للدّاخل دون الخارج، لأنّ المسروق دخل في حيازته، حيث أقام شريكه الخارج مقامه عندما سلّمه المسروق. وتفصيل الحكم في الصّور الّتي يمكن حدوثها يبنى على مسألة الهتك المتكامل ومسألة " اليد المعترضة " الّتي سبق بيانهما. في(ف / 43، 47). ثانياً - المالكيّة: 52 - ذهب جمهور المالكيّة إلى أنّ صفة الشّريك تطلق على من يعين السّارق إذا قام بعمل مادّيّ لا بدّ منه لإخراج المسروق من الحرز، سواء حدثت الإعانة وهو في داخل الحرز، بأن وضع المسروق على ظهر زميله، فأخرجه من الحرز، أو حدثت وهو في خارج الحرز، بأن مدّ يده داخل الحرز وأخذ المسروق من يد زميله الّذي في الدّاخل، بحيث تصاحب فعلاهما في حال الإخراج، أو بأن يربط الدّاخل المسروق بحبل ونحوه فيجرّه الخارج، بحيث لا يعتبر الدّاخل مستقلّاً بالإخراج. أمّا إذا كانت الإعانة بأمر معنويّ كأن يدخل الحرز أو يبقى خارجه ليحمي السّارق أو يرشده إلى مكان المسروق، فلا يعتبر شريكاً في السّرقة، ومن ثمّ فلا حدّ عليه، بل يعزّر. فإذا ثبت أنّ المسروق لم يخرج إلاّ بعمل جماعيّ، وجب إقامة الحدّ على كلّ من شارك في هذا العمل، إذا بلغت قيمة المسروق نصاباً واحداً، سواء باشر السّرقة، بأن تعاون مع زميله في حمل المسروق حتّى خرجا به من الحرز، أو لم يباشر السّرقة، بأن وضع المسروق على ظهر صاحبه فخرج به وحده، ما دام كلّ واحد لا يمكنه أن يستقلّ بإخراج المسروق. أمّا إذا لم يحصل تعاون بأن استقلّ كلّ واحد بإخراج بعض المسروق، فلا يقام الحدّ إلاّ على من أخرج نصاباً كاملاً، وذلك لعدم ظهور التّعاون الّذي لا بدّ منه لإثبات الاشتراك في السّرقة. ثالثاً - الشّافعيّة: 53 - ذهب الشّافعيّة إلى أنّ صفة الشّريك لا تطلق إلاّ على من قام بفعل مباشر مع غيره، ترتّب عليه إخراج المسروق من الحرز، كأن يتعاون السّارقون في حمل شيء ثقيل ويخرجونه من الحرز، أو يحمل كلّ واحد منهم شيئاً ويخرج به. وفي هذه الحالة ينطبق وصف السّارق على كلّ واحد، ولكن يظهر أثر الاشتراك في إقامة الحدّ عليهم جميعاً إذا خصّ كلّ واحد منهم نصاب من قيمة ما أخرجوه، دون نظر إلى قيمة ما أخرجه كلّ منهم. أمّا إذا كان كلّ سارق يستقلّ بفعله وقصده عن الآخرين، فلا اشتراك بينهم، ولا يقام الحدّ إلاّ على من يخرج نصاباً كاملاً، ويعزّر الآخرون. ولا يعتبر شريكاً - عند الشّافعيّة - من يعين السّارق، سواء قام بعمل مادّيّ أو معنويّ، وسواء حدثت الإعانة من داخل الحرز أو من خارجه، فلا يقام عليه حدّ السّرقة، بل يعزّر. رابعاً - الحنابلة: 54 - يرى الحنابلة إطلاق صفة الشّريك على من يعين السّارق بفعل مادّيّ أو معنويّ، قام به وهو داخل الحرز أو كان خارجه، فإذا بلغت قيمة المسروق نصاباً واحداً، أقيم الحدّ على كلّ من اشترك في السّرقة، سواء كان الاشتراك في الإخراج، أو كان بإخراج البعض وإعانة البعض الآخر، وسواء حدثت الإعانة من الدّاخل أو من الخارج، بفعل مادّيّ كالإعانة على حمل المسروق، أو بفعل معنويّ كالإرشاد إلى مكان المسروق، أو لم يأت بعمل ما، كمن دخل الحرز مع السّارق لتنبيهه إذا انكشف أمره. لأنّ فعل السّرقة يضاف إلى كلّ واحد منهم.
55 - اتّفق الفقهاء على أنّ السّرقة تثبت بالإقرار أو بالبيّنة. وعند بعضهم أنّ السّرقة تثبت باليمين المردودة وعند غيرهم يجوز إثباتها بالقرائن.
56 - تثبت السّرقة بإقرار السّارق إذا كان مكلّفاً بأن كان بالغاً عاقلاً، على التّفصيل الّذي سبق. وذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ السّارق يجب أن يكون مختاراً في إقراره، فإن أكره على الإقرار بحبس أو ضرب أو نحوهما، فلا يعتدّ بهذا الإقرار. وقد أفتى بعض متأخّري الحنفيّة بصحّة إقرار السّارق مع الإكراه لأنّ السّرّاق قد غدوا لا يقرّون طائعين. وذهب بعض المالكيّة إلى أنّه يعمل بإقرار المتّهم مع الإكراه إن ثبت عند الحاكم أنّه من أهل التّهم. ويشترط الحنفيّة أن يكون المقرّ بالسّرقة ناطقاً، ولهذا فإنّهم لا يعتدّون بإشارة الأخرس، ولو كانت مفهمةً، لاحتمال إشارته الإقرار وغيره، وهذا يورث شبهةً تدرأ عنه الحدّ. ويرى الجمهور صحّة إقراره، إن كانت إشارته مفهمةً قبل هذا الإقرار. ولا يكون الإقرار كافيًا لإقامة الحدّ، إلاّ إذا كان صريحاً وتبيّن القاضي منه توافر أركان السّرقة، بحيث لا تبقى معه أيّ شبهة. واشترط جمهور الفقهاء أن يصدر الإقرار عند من له ولاية إقامة الحدّ، فلا يعتدّ بالإقرار الصّادر عند غيره، ولا بالإقرار قبل الدّعوى. 57 - وقد اختلف الفقهاء في عدد مرّات الإقرار الّتي توجب إقامة حدّ السّرقة: فالحنفيّة - ما عدا أبا يوسف - ومالك في رواية عنه، والشّافعيّة وعطاء، والثّوريّ، يكتفون بإقرار السّارق مرّةً واحدةً، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم «قطع سارق خميصة صفوان وسارق المجنّ»، ولم ينقل أنّ أحدهما تكرّر منه الإقرار، ولأنّ الإقرار بالحقوق يكتفي بإيراده مرّةً واحدةً، ولأنّ الإقرار إخبار ترجّح فيه جانب الصّدق على جانب الكذب، فلن يزيده التّكرار رجحاناً. أمّا أبو يوسف وزفر، ومالك في رواية أخرى، والحنابلة، وابن أبي ليلى، وابن شبرمة، فإنّهم يوجبون صدور الإقرار مرّتين، في مجلسين مختلفين، فإن أقرّ السّارق مرّةً واحدةً، لا يقام عليه الحدّ، وإنّما يعزّر ويجب عليه الضّمان. لأنّ «النّبيّ صلى الله عليه وسلم أتي بلصّ قد اعترف، ولم يوجد معه متاع، فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم: ما أخالك سرقت فقال: بلى يا رسول اللّه، فأعادها عليه صلى الله عليه وسلم مرّتين أو ثلاثاً، ولم يقطعه إلاّ بعد أن تكرّر إقراره»، فلو كان القطع يجب بالإقرار مرّةً واحدةً لما أخّره النّبيّ صلى الله عليه وسلم. 58 - وكذلك اختلفوا في اشتراط الخصومة مع الإقرار: فالحنفيّة - ما عدا أبا يوسف - والشّافعيّة، والحنابلة، يشترطون لقبول الإقرار مطالبة من له حقّ المطالبة بالمسروق، لأنّ عدم مطالبته يورث شبهةً تدرأ الحدّ، وبناءً على ذلك: لا يقام الحدّ على من أقرّ بسرقة مال من مجهول أو من غائب. ويرى أبو يوسف، والمالكيّة، وأبو ثور، وابن المنذر وابن أبي ليلى عدم توقّف إقامة حدّ السّرقة على دعوى المسروق منه، لعموم آية السّرقة، وعدم وجود ما يصلح مخصّصاً لهذا العموم، وبناءً على ذلك: يقام الحدّ على من يقرّ بسرقة نصاب من مجهول أو غائب إذا ثبتت السّرقة، لأنّ المقرّ لا يتّهم في الإقرار على نفسه.
59 - تثبت السّرقة بشهادة رجلين تتوافر فيهما شروط تحمّل الشّهادة وشروط أدائها. وعلى ذلك يجب أن يكون الشّاهد وقت الأداء ذكراً، مسلماً، بالغاً، عاقلاً، حرّاً بصيراً، عدلاً، مختاراً. فلا يقام حدّ السّرقة بشهادة النّساء منفردات أو مع رجال، ولا بدّ من شهادة رجلين، فلا تقبل شهادة رجل واحد ولو مع يمين المسروق منه. والتّفصيل في مصطلح: (شهادة). إذا توافرت الشّروط المتقدّمة، أدّى الشّاهد شهادته على السّرقة بدون يمين، لأنّ لفظ الشّهادة يتضمّن اليمين، ولأنّ تحليف الشّاهد يتنافى مع إكرامه الّذي أمر به النّبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله: «أكرموا الشّهود، فإنّ اللّه يحيي بهم الحقوق». ويرى بعض الفقهاء ضرورة تحليف الشّاهد اليمين للتّأكّد من صدقه، ولما فيه من عموم المصلحة، وتحليف الشّاهد لا يتعارض مع أمر الرّسول صلى الله عليه وسلم بإكرامه، لأنّه لا ينطوي على إهانة له.
60 - يرى جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة أنّ حدّ السّرقة لا يقام باليمين المردودة، فإن ادّعى شخص على آخر سرقةً يجب فيها القطع، فأنكر المدّعى عليه السّرقة، فطلب المدّعي منه أن يحلف لإثبات براءته، فنكل عن اليمين، ردّت اليمين على المدّعي، فإن حلف أنّ المدّعى عليه سرق ما ادّعاه، ثبت المال المسروق بهذه اليمين المردودة، ولا يقام الحدّ إلاّ بالإقرار أو بالبيّنة. أمّا الشّافعيّة فالأصحّ عندهم أنّ السّرقة تثبت بيمين المدّعي المردودة، فيثبت المال ويقام الحدّ، لأنّ اليمين المردودة كالبيّنة أو كإقرار المدّعى عليه، وكلّ منهما يوجب القطع بلا خلاف. ومقابل الأصحّ: أنّ اليمين المردودة يثبت بها المال، ولا يقام بها الحدّ، لأنّ القطع في السّرقة حقّ اللّه تعالى، وهو لا يثبت إلاّ بالإقرار أو البيّنة. ومقابل الأصحّ هو المعتمد في المذهب، كما ذكره النّوويّ في الرّوضة والرّافعيّ في الشّرح الكبير وصاحب الحاوي الصّغير، وقال الأذرعيّ: إنّه المذهب والصّواب الّذي قطع به جمهور الأصحاب. وقال البلقينيّ: إنّه المعتمد، لنصّ الأمّ، وفي المختصر: لا يثبت القطع إلاّ بشاهدين أو إقرار السّارق.
61 - جمهور الفقهاء على أنّ حدّ السّرقة لا يثبت إلاّ بالإقرار أو البيّنة. ويرى بعضهم جواز ثبوت السّرقة، ومن ثمّ إقامة الحدّ وضمان المال، بالقرائن والأمارات إذا كانت ظاهرة الدّلالة باعتبارها من السّياسة الشّرعيّة،الّتي تخرج الحقّ من الظّالم الفاجر. قال ابن القيّم: " لم يزل الأئمّة والخلفاء يحكمون بالقطع إذا وجد المال المسروق مع المتّهم، وهذه القرينة أقوى من البيّنة والإقرار فإنّهما خبران يتطرّق إليهما الصّدق والكذب ووجود المال معه نصّ صريح لا تتطرّق إليه شبهة ".
62 - اتّفق الفقهاء على أنّ عقوبة السّارق قطع يده لقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}. وهو الحدّ الّذي أقامه النّبيّ صلى الله عليه وسلم على من سرق في عهده، كما تواترت الأخبار بذلك. وجرى عليه عمل الخلفاء الرّاشدين دون اعتراض عليهم. وأجمعت عليه الأمّة. واختلف الفقهاء في أمور تتعلّق بمحلّ القطع، ومقداره، وكيفيّته، وتكرّره، مع تكرّر السّرقة ونحو ذلك. أ - محلّ القطع: 63 - من المتّفق عليه - عند الفقهاء - وجوب قطع اليد اليمنى، إذا ثبتت السّرقة الأولى. لما روي من «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قطع اليد اليمنى»، وكذلك فعل الأئمّة من بعده، ولقراءة عبد اللّه بن مسعود: «فاقطعوا أيمانهما». وهي قراءة مشهورة عنه، ولم يجمع على أنّها قرآن لمخالفتها للمصحف الإمام، فكانت خبراً مشهوراً، فيقيّد إطلاق النّصّ. ولو كان الإطلاق مراداً، والامتثال للأمر في الآية يحصل بقطع اليمين أو الشّمال، لما قطع النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلاّ اليسار على عادته من طلب الأيسر لهم ما أمكن جرياً على عادته صلى الله عليه وسلم في:«أنّه ما خيّر بين أمرين إلاّ أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً». فإذا كانت يد السّارق اليمنى غير صحيحة، بأن كانت شلّاء أو ذهب أكثر أصابعها، فقد اختلف الفقهاء في محلّ القطع. فالحنفيّة يرون أنّ القطع يتعلّق أوّلاً باليد اليمنى، لعموم آية السّرقة فإنّها لم تفرّق بين الصّحيحة وغيرها. لأنّه إذا تعلّق الحكم بالسّليمة فإنّها تقطع، فلأن تقطع المعيبة من باب أولى. ويرى المالكيّة أنّ قطع المعيبة لا يجزئ، لأنّ مقصود الحدّ إزالة المنفعة الّتي يستعان بها على السّرقة، والشّلّاء وما في حكمها لا نفع فيها فلا يتحقّق مقصود الشّرع بقطعها، لأنّ منفعتها الّتي يراد إبطالها باطلة من غير قطع. ولذلك ينتقل القطع إلى الرّجل اليسرى. أمّا الشّافعيّة فإنّهم يفصّلون القول في قطع اليد اليمنى إذا كانت معيبةً على النّحو التّالي: يجزئ في حدّ السّرقة قطع اليد اليمنى إذا كانت شلّاء إلاّ إذا خيف من قطعها ألاّ يكفّ الدّم، فلو قرّر أهل الخبرة أنّ عروقها لن تنسدّ وأنّ دمها لن يجفّ فلا تقطع، وينتقل بالقطع إلى الرّجل اليسرى، أمّا إذا كانت اليد اليمنى قد ذهب بعض أصابعها، فإنّهم متّفقون على أنّه يجزئ قطعها، ولو كان بها أصبع واحد. فإذا نقصت الأصابع كلّها، فالأصحّ عندهم: الاكتفاء بقطعها، لأنّ اسم اليد يطلق عليها مع نقصان الأصابع كلّها. والقول الثّاني في ناقصة الخمس: أنّها لا تجزئ في تمام الحدّ، فلا تقطع، وينتقل إلى الرّجل اليسرى. وعند الحنابلة روايتان: تكتفي أولاهما بقطع اليد اليمنى ولو كانت شلّاء، إذا رأى أهل الخبرة أنّها لو قطعت رقأ دمها وانحسمت عروقها. والرّواية الأخرى: يمنع قطع اليد الشّلّاء، لأنّها لا نفع فيها ولا جمال لها، وينتقل القطع إلى الرّجل اليسرى. وإذا كانت اليد اليمنى مقطوعة الأصابع ففي المذهب رأيان أولهما: الاكتفاء بقطع اليد اليمنى ولو ذهبت كلّ أصابعها. والثّاني: عدم الاكتفاء بقطع اليمنى إذا ذهب معظم نفعها، لأنّها تكون في حكم المعدومة وينتقل القطع إلى الرّجل اليسرى. 64 - واختلف الفقهاء فيما لو تعلّق القطع باليد اليمنى، وكانت اليد اليسرى قد ذهبت منفعتها، أو كانت مقطوعةً في قصاص أو بآفة سماويّة، فعند الحنفيّة لا تقطع اليد اليمنى ; لأنّ قطعها يؤدّي إلى تفويت منفعة الجنس كلّيّةً، والحدّ إنّما شرع زاجراً لا مهلكاً. وبهذا قال أحمد في إحدى الرّوايتين عنه. والرّواية الأخرى تتّفق مع ما قال به المالكيّة والشّافعيّة من وجوب القطع في هذه الحالة، لأنّ اليد اليسرى محلّ للقطع أيضاً إذا تكرّرت السّرقة. ولا يختلف الحكم إذا تعلّق القطع بالرّجل اليسرى، وكانت الرّجل اليمنى قد قطعت أو ذهبت منفعتها. 65 - واختلفوا كذلك فيما لو تعلّق القطع باليد اليمنى، وكانت مقطوعةً: فذهب الحنفيّة إلى انتقال القطع إلى الرّجل اليسرى إذا كان ذهاب اليد اليمنى قد حدث قبل السّرقة، أو بعدها وقبل المخاصمة، لأنّ الحدّ لم يتعلّق بالعضو الذّاهب، فلا يسقط بذهابه. بخلاف ما لو ذهبت اليد اليمنى بعد المخاصمة وقبل القضاء، أو بعد المخاصمة والقضاء، فلا ينتقل الحدّ إلى الرّجل اليسرى، بل يسقط، لأنّ المخاصمة تؤدّي إلى تعلّق القطع باليد اليمنى، فإذا ذهبت سقط الحدّ لذهاب محلّه. وذهب جمهور الفقهاء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى انتقال القطع إلى الرّجل اليسرى إذا ذهبت اليد اليمنى قبل السّرقة. وإلى سقوط الحدّ إذا ذهبت بعد السّرقة، سواء كان ذهابها قبل الخصومة أو بعدها، وقبل القضاء أو بعده، بآفة أو جناية، أو قصاص لأنّه بمجرّد السّرقة تعلّق القطع باليد اليمنى، فإذا ذهبت زال ما تعلّق به القطع فسقط. ب - موضع القطع ومقداره: 66 - ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وغيرهم إلى أنّ قطع اليد يكون من الكوع، وهو مفصل الكفّ، لأنّ «النّبيّ صلى الله عليه وسلم قطع يد السّارق من الكوع». ولقول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما: إذا سرق السّارق فاقطعوا يمينه من الكوع. وذهب بعض الفقهاء إلى أنّ موضع القطع من اليد: المنكب، لأنّ اليد اسم للعضو من أطراف الأصابع إلى المنكب. وذهب بعضهم إلى أنّ موضع القطع: مفاصل الأصابع الّتي تلي الكفّ. وموضع قطع الرّجل هو مفصل الكعب من السّاق، فعل ذلك عمر رضي الله عنه، وذهب إليه جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة وغيرهم، وهو رواية عن أحمد، والرّواية الأخرى عنه أنّ موضع القطع: أصول أصابع الرّجل وبهذا قال بعض الفقهاء، لما روي من أنّ عليّاً رضي الله عنه كان يقطع من شطر القدم، ويترك للسّارق عقبه يمشي عليها. ج - كيفيّة القطع: 67 - من المتّفق عليه بين الفقهاء مراعاة الإحسان في إقامة الحدّ، لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تكونوا عون الشّيطان على أخيكم» وعلى ذلك ينبغي أن يتخيّر الحاكم الوقت الملائم للقطع، بحيث يجتنب الحرّ والبرد الشّديدين، إن كان ذلك يؤدّي إلى الإضرار بالسّارق، ولا يقيم الحدّ أثناء مرض يرجى زواله، ولا يقيم الحدّ على الحامل أو النّفساء، ولا على العائد في السّرقة قبل أن يندمل الجرح السّابق. كما ينبغي أن يساق السّارق إلى مكان القطع سوقاً رفيقاً، فلا يعنّف به، ولا يعيّر، ولا يسبّ. فإذا وصل إلى مكان القطع يجلس، ويضبط لئلاّ يتحرّك فيجني على نفسه، وتشدّ يده بحبل ويجرّ حتّى يبين مفصل الذّراع، ثمّ توضع بينهما سكّين حادّة، ويدقّ فوقها بقوّة ليقطع في مرّة واحدة، أو توضع على المفصل وتمدّ مدّةً واحدةً، وإن علم قطع أوحى من ذلك - أي أسرع - قطع به. ولا خلاف بين الفقهاء على حسم موضع القطع، وذلك باستعمال ما يسدّ العروق ويوقف، نزف الدّم، لقوله صلى الله عليه وسلم فيمن ثبتت عليه السّرقة: «اذهبوا به فاقطعوه، ثمّ احسموه». ولكنّ الخلاف بينهم في حكم الحسم: فمذهب الحنفيّة والحنابلة أنّه واجب عينيّ على من قام بالقطع، لأنّ صيغة الأمر في الحديث تفيد الوجوب. وذهب المالكيّة - في المشهور عنهم - إلى أنّ الحسم واجب على الكفاية، فلا يلزم واحداً بعينه، فإذا قام به القاطع أو المقطوع أو غيرهما فقد حصل المطلوب. والأصحّ عند الشّافعيّة: أنّ الأمر بالحسم يحمل على النّدب، لا الوجوب،لأنّه حقّ للمقطوع، لا لتمام الحدّ، فيجوز للإمام أن يتركه. وحينئذ يندب للإمام ولغيره أن يفعله، لما فيه من مصلحة السّارق وحفظه من الهلاك. ولا يمنع ذلك من وجوبه على السّارق إذا لم يقم به أحد، فإذا تعذّر على المقطوع فعل الحسم، لإغماء ونحوه وترتّب على تركه تلف محقّق، فلا يجوز للإمام إهماله، بل يجب عليه فعله، كما قاله البلقينيّ وغيره. ومقابل الأصحّ عندهم: أنّ الحسم تتمّة للحدّ، فيجب على الإمام فعله، ولا يجوز أن يهمله. 68 - ويسنّ - عند الشّافعيّة والحنابلة - تعليق اليد المقطوعة في عنق السّارق، ردعاً للنّاس، استناداً إلى ما روي من «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أتي بسارق فقطعت يده، ثمّ أمر بها فعلّقت في عنقه». وقد حدّد الشّافعيّة مدّة التّعليق بساعة واحدة، أمّا الحنابلة فلم يحدّدوا مدّة التّعليق. وذهب الحنفيّة إلى أنّ تعليق اليد لا يسنّ، بل يترك الأمر للإمام، إن رأى فيه مصلحةً فعله، وإلاّ فلا. ولم يذكر المالكيّة شيئاً عن تعليق اليد. د - تكرّر القطع بتكرّر السّرقة: تداخل الحدّ: 69 - من القواعد العامّة الّتي استقرّت في الفقه الإسلاميّ على اختلاف مذاهبه: أنّ مبنى الحدود على التّداخل، إذا اتّحد موجبها ولم يتعلّق بالحدّ حقّ لآدميّ. وبناءً على ذلك: إذا تكرّرت السّرقة، قبل إقامة الحدّ، وكانت في كلّ مرّة توجب القطع، قطع السّارق لجميعها قطعاً واحداً، لأنّ الحدود تدرأ بالشّبهة فيتداخل بعضها في بعض، ولأنّ المقصود هو الرّدع والزّجر، وذلك يحصل بإقامة الحدّ الواحد.
70 - اختلف الفقهاء في حكم السّارق، إذا قطعت يمينه ثمّ عاد للسّرقة، على النّحو التّالي: ذهب عطاء بن أبي رباح إلى أنّ: من قطعت يمينه في السّرقة الأولى، ثمّ سرق بعد ذلك، فإنّه يضرب ويحبس، إذ لا قطع إلاّ في السّرقة الأولى. لقول اللّه تبارك وتعالى: {فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} أي اليد اليمنى، كما جاء في قراءة ابن مسعود: " فاقطعوا أيمانهما " ولو شاء اللّه لأمر بقطع الرّجل {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً}. وذهب ربيعة وبعض الفقهاء إلى أنّ: من قطعت يمينه في السّرقة الأولى، ثمّ سرق مرّةً ثانيةً، تقطع يده اليسرى، فإن عاد إلى السّرقة بعد ذلك، فليس عليه قطع، بل يعزّر، وذلك لأنّ اللّه تعالى أمر بقطع الأيدي، وهي تشمل اليمنى واليسرى، وإدخال الأرجل في القطع زيادة على النّصّ. وذهب الحنفيّة، والحنابلة في إحدى الرّوايتين وهي المذهب إلى أنّ من سرق بعد أن قطعت يده اليمنى، تقطع رجله اليسرى. فإن عاد بعد ذلك فليس عليه قطع، بل يحبس ويضرب حتّى تظهر توبته أو يموت. ونقل هذا عن عمر وعليّ رضي الله عنهما والشّعبيّ والثّوريّ والزّهريّ والنّخعيّ والأوزاعيّ وحمّاد لما روي من قول عليّ كرّم اللّه وجهه: إذا سرق الرّجل قطعت يده اليمنى، فإن عاد قطعت رجله اليسرى، فإن عاد ضمّنته السّجن حتّى يحدث خيراً، إنّي لأستحيي من اللّه أن أدعه ليس له يد يأكل بها ويستنجي بها، ورجل يمشي عليها. وذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة في الرّواية الأخرى: إلى أنّ من سرق، بعد أن قطعت يده اليمنى في السّرقة الأولى، تقطع رجله اليسرى، فإن عاد للمرّة الثّالثة قطعت يده اليسرى، فإن سرق مرّةً رابعةً قطعت رجله اليمنى، فإن عاد بعد ذلك حبس حتّى تظهر توبته أو يموت، لما رواه أبو هريرة من أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا سرق السّارق فاقطعوا يده، فإن عاد فاقطعوا رجله، فإن عاد فاقطعوا يده، فإن عاد فاقطعوا رجله». وقد فعل ذلك أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وقال به إسحاق وقتادة وأبو ثور. روي عن عثمان وعمرو بن العاص رضي الله عنهما وعمر بن عبد العزيز، وعن بعض أصحاب مالك: أنّ من سرق - بعد قطع أطرافه الأربعة - يقتل حدّاً، وهو ما ذهب إليه الشّافعيّ في القديم. واستدلّوا بأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم «أمر بقتل سارق - في المرّة الخامسة - قال جابر: فانطلقنا به، ثمّ اجتررناه، فألقيناه في بئر،ورمينا عليه الحجارة». قال الخطّابيّ: وفي إسناده مقال وقد عارضه الحديث الصّحيح وهو أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحلّ دم امرئ مسلم إلاّ بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان وزنىً بعد إحصان أو قتل نفس بغير نفس». قال: ولا أعلم أحداً من الفقهاء يبيح دم السّارق.
71 - اختلف الفقهاء في تحديد ما يسقط الحدّ، سواء ما يتّصل بالمسروق منه أم بغيره: كالعفو والشّفاعة. ومنها ما يتّصل بالسّارق: كالتّوبة، والرّجوع عن الإقرار، واشتراكه مع من لا يقام عليه الحدّ. ومنها ما يتعلّق بالمسروق: كطروء ملك السّارق على ما سرق. وقد يسقط الحدّ نتيجةً للتّقادم. أ - الشّفاعة والعفو: 72 - أجمع الفقهاء على إجازة الشّفاعة بعد السّرقة وقبل أن يصل الأمر إلى الحاكم، إذا كان السّارق لم يعرف بشرّ، ستراً له وإعانةً على التّوبة. فأمّا إذا وصل الأمر إلى الحاكم، فالشّفاعة فيه حرام، «لقوله صلى الله عليه وسلم لأسامة - حينما شفع في المخزوميّة الّتي سرقت -: أتشفع في حدّ من حدود اللّه». وقد روي أنّ الزّبير بن العوّام رضي الله عنه لقي رجلاً قد أخذ سارقاً، فشفع فيه، فقال: لا، حتّى أبلغ به الإمام، فقال الزّبير: إذا بلغ الإمام فلعن اللّه الشّافع والمشفّع. وينطبق نفس الحكم على العفو عن السّارق: فإنّه يجوز إذا لم يرفع الأمر إلى الحاكم، فإن رفع إليه، لا يقبل فيه العفو. وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم:«تعافوا الحدود فيما بينكم،فما بلغني من حدّ فقد وجب». وقال صلى الله عليه وسلم لصفوان - لمّا تصدّق بردائه على سارقه -: «فهلاّ قبل أن تأتيني به». ب - التّوبة: 73 - اتّفق الفقهاء على أنّ التّوبة النّصوح، أي النّدم الّذي يورث عزماً على إرادة التّرك تسقط عذاب الآخرة عن السّارق، ولكنّهم اختلفوا في أثر التّوبة على إقامة حدّ السّرقة: فذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة في أحد القولين والحنابلة في إحدى الرّوايتين وعطاء، وجماعة: إلى أنّ التّوبة لا تسقط حدّ السّرقة، لقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ} من غير أن يفرّق بين تائب وغيره، ولأنّ «النّبيّ صلى الله عليه وسلم أقام الحدّ على عمرو بن سمرة، حين أتاه تائباً يطلب التّطهير من سرقته جملاً». وذهب الشّافعيّة - في أصحّ القولين - والحنابلة - في الرّواية الأخرى - إلى أنّ التّوبة تسقط حدّ السّرقة، لقوله تعالى - بعد أن بيّن جزاء السّارق والسّارقة -: { فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} وهو يدلّ على أنّ التّائب لا يقام عليه الحدّ، إذ لو أقيم عليه الحدّ بعد التّوبة لما كان لذكرها فائدة. ج - الرّجوع عن الإقرار: 74 - اتّفق جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة على أنّ السّارق إذا رجع عن إقراره، قبل القطع، سقط عنه الحدّ، لأنّ الرّجوع عن الإقرار يورث شبهةً. وذهب بعض الفقهاء إلى أنّ رجوع السّارق في إقراره لا يقبل منه، ولا يسقط عنه الحدّ، لأنّه لو أقرّ لآدميّ بقصاص أو بحقّ لم يقبل رجوعه عنهما، فكذلك الحكم إذا أقرّ بالسّرقة. د - الاشتراك مع من لا يقام عليه الحدّ: 75 - ذهب الحنفيّة - إلاّ أبا يوسف - والحنابلة في أصحّ الوجهين إلى أنّه: إذا اشترك جماعة في سرقة وكان بينهم من لا يتعلّق القطع بسرقته، كصبيّ أو مجنون، فإنّ الحدّ يسقط عن الشّركاء كلّهم، لأنّ السّرقة واحدة، وقد حصلت ممّن يجب عليه القطع وممّن لا يجب عليه، فيسقط القطع عن الجميع، قياساً على اشتراك العامد مع المخطئ في القتل، فإنّ القصاص يسقط عنهما. وذهب أبو يوسف إلى أنّ الحدّ لا يسقط إلاّ إذا كان الصّبيّ أو المجنون هو الّذي ولي الأخذ والإخراج، لأنّ الإخراج أصل والإعانة كالتّابع، فإذا سقط القطع عن الأصل وجب سقوطه عن التّابع. أمّا إذا كان الآخذ والمخرج مكلّفاً فإنّه يكون قد قام بالأصل، فلا يسقط القطع عنه، وإن سقط عن الصّبيّ أو المجنون. وذهب المالكيّة، والشّافعيّة والحنابلة - في الوجه الآخر - إلى أنّ اشتراك من لا يجب قطعه في السّرقة لا يسقط عن سائر الشّركاء لأنّ سبب امتناع قطعه خاصّ به، فلا يتعدّاه إلى غيره. هـ – طروء الملك قبل الحكم: 76 - إذا تملّك السّارق المسروق قبل القضاء بأن اشتراه أو وهب له أو نحو ذلك، فإنّ القطع يسقط عنه - عند الجمهور - لأنّ المطالبة شرط للحكم بالقطع، فإذا تملّكه السّارق قبل القضاء امتنعت المطالبة، وخالف المالكيّة في هذا الحكم لعدم اشتراطهم المطالبة، فالعبرة بوجوب الحدّ أو سقوطه بحال السّرقة، دون انتقال الملك بعدها. فأمّا إذا حدث الملك بعد القضاء، وقبل القطع، فإنّ الحدّ يسقط عند الحنفيّة - ما عدا أبا يوسف وزفر -: " لأنّ القضاء في باب الحدود إمضاؤها فما لم تمض فكأنّه لم يقض، ولأنّ المعترض بعد القضاء، قبل الاستيفاء، كالمقترن بأصل السّبب، ولأنّ التّملّك وإن لم يوجد حقّاً وقت السّرقة، إلاّ أنّه أوجد شبهةً عند التّنفيذ وهذه الشّبهة تمنع من إقامة الحدّ ". وذهب أبو يوسف وزفر، والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة: إلى أنّه لا أثر لتملّك المسروق بعد القضاء على وجوب القطع، لأنّ وجوب القطع حكم معلّق بوجود السّرقة، وقد تمّت السّرقة، ووقعت موجبةً للقطع لاستجماع شرائط الوجوب، فطروء الملك بعد ذلك لا يوجب خللاً في السّرقة الموجودة، فبقي القطع واجباً، ولأنّ ما حدث - بعد وجوب الحدّ - لم يوجد شبهة في الوجوب، فلم يؤثّر في الحدّ، ولو كان حدوث الملك - بعد القضاء - يسقط الحدّ، لما قطع النّبيّ صلى الله عليه وسلم سارق رداء صفوان، بعد أن تصدّق به عليه، بل قال له: «فهلاّ قبل أن تأتيني به». و - تقادم الحدّ: 77 - ذهب جمهور الفقهاء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وزفر إلى أنّ الحدّ لا يسقط بالتّقادم، لأنّ الحكم لم يصدر إلاّ بعد أن ثبتت السّرقة، فوجب تنفيذه مهما طال الزّمن، ولا ينبغي أن يكون هروب الجاني أو تراخي التّنفيذ من أسباب سقوط الحدّ، وإلاّ كان ذلك ذريعةً إلى تعطيل حدود اللّه. وذهب الحنفيّة - ما عدا زفر - إلى أنّ تقادم التّنفيذ بعد القضاء، يسقط القطع، لأنّ القضاء في باب الحدود إمضاؤها، فما لم تمض فكأنّه لم يقض، ولأنّ التّقادم في التّنفيذ كالتّقادم في الإثبات بالبيّنة، فإذا حكم عليه بالقطع بشهود في السّرقة، ثمّ انفلت، فأخذ بعد زمان، لم يقطع، لأنّ حدّ السّرقة لا يقام بحجّة البيّنة بعد تقادم العهد، والعارض في الحدود بعد القضاء قبل الاستيفاء كالعارض قبل القضاء.
78 - تجوز العقوبة بالتّعزير على كلّ سرقة لم تكتمل أركانها، أو لم تستوف شروطها، لعدم وجوب الحدّ فيها. وعلى كلّ سرقة درء الحدّ فيها لوجود شبهة. وكذلك تجوز العقوبة بالتّعزير على السّرقة الّتي سقط فيها القطع، على التّفصيل الّذي سبق بيانه.
79 - لا خلاف بين الفقهاء في وجوب ردّ المسروق إن كان قائماً، إلى من سرق منه، سواء كان السّارق موسراً أو معسراً، وسواء أقيم عليه الحدّ أو لم يقم، وسواء وجد المسروق عنده أو عند غيره، وذلك لما روي من «أنّ الرّسول صلى الله عليه وسلم ردّ على صفوان رداءه، وقطع سارقه»، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي»، ولا خلاف بينهم كذلك في وجوب ضمان المسروق إذا تلف، ولم يقم الحدّ على السّارق، لسبب يمنع القطع، كأخذ المال من غير حرز، أو كان دون النّصاب، أو قامت شبهة تدرأ الحدّ، أو نحو ذلك، وحينئذ يجب على السّارق أن يردّ مثل المسروق - إن كان مثليّاً - وقيمته إن كان قيميّاً. 80 - ولكنّهم اختلفوا في وجوب الضّمان، إذا تلف المسروق وقد قطع فيه سارقه، على ثلاثة أقوال: الأوّل: عدم وجوب الضّمان مطلقاً، سواء تلف المسروق بهلاك أو باستهلاك، وهذا هو المشهور عند الحنفيّة، وبه قال عطاء، وابن سيرين، والشّعبيّ، ومكحول، وغيرهم. لقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ} فقد سمّى " القطع " جزاءً، والجزاء يبنى على الكفاية، فلو ضمّ إليه الضّمان لم يكن القطع كافياً، فلم يكن جزاءً، وقد جعل القطع كلّ الجزاء، لأنّه - عزّ شأنه - ذكره ولم يذكر غيره، فلو أوجبنا الضّمان لصار القطع بعض الجزاء. وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يغرم صاحب سرقة إذا أقيم عليه الحدّ»، فالحديث ينصّ صراحةً على نفي الضّمان إذا قطع السّارق. ومن هنا قالوا: لا يجتمع حدّ وضمان، لأنّ الحكم بالضّمان يجعل المسروق مملوكاً للسّارق، مستنداً إلى وقت الأخذ، فلا يجوز إقامة الحدّ عليه، لأنّه لا يقطع أحد في ملك نفسه. والثّاني: ذهب المالكيّة إلى ضمان المسروق - إن تلف - بشرط أن يكون السّارق موسراً، من وقت السّرقة إلى وقت القطع، لأنّ اليسار المتّصل كالمال القائم بعينه، فلا تجتمع على السّارق عقوبتان. فإن كان السّارق موسراً وقت السّرقة، ثمّ أعسر بعدها، أو كان معسراً وقت السّرقة، ثمّ أيسر بعدها، فلا ضمان، لئلاّ تجتمع عليه عقوبتان: قطع يده وإتباع ذمّته. والثّالث: ذهب الشّافعيّة والحنابلة، والنّخعيّ، وحمّاد، والبتّيّ واللّيث، وبه قال الحسن البصريّ، والزّهريّ، والأوزاعيّ، وابن شبرمة، وإسحاق إلى وجوب الضّمان مطلقاً، سواء كان السّارق موسراً أو معسراً، وسواء تلف المسروق بهلاك أو استهلاك، وسواء أقيم الحدّ على السّارق أو لم يقم، فالقطع والضّمان يجتمعان، لأنّ القطع لحقّ اللّه تعالى، والضّمان لحقّ العبد، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي». أمّا وقت تقدير القيمة - إذا حكم بضمان المسروق - فيرجع إليه في مصطلح: (ضمان).
انظر: زبل.
انظر: لباس.
انظر: تسرّي.
1 - في اللّغة: السَّرِيّة - بفتح المهملة، وكسر الرّاء وتشديد الياء -: قطعة من الجيش. فعيلة بمعنى فاعلة. من سرى في اللّيل وأسرى: إذا ذهب فيه. والجمع سرايا، وسريّات. وفي الاصطلاح: فرقة من الجيش أقصاها أربعمائة، يبعثها الأمير لقتال العدوّ، أو التّجسّس على الأعداء، وسمّيت سريّةً لأنّهم يسرّون باللّيل ويكمنون بالنّهار لقلّة عددهم.
الجيش، ونحوه: 2 - الجيش ما زاد على ثمانمائة، والجحفل: ما زاد على أربعة آلاف، والخميس: هو الجيش العظيم، والبعث: هو ما تفرّع عن السّريّة، والكتيبة: هي ما اجتمع، ولم ينتشر.
3 - خروج المجاهدين لإعزاز الدّين، ودفع الشّرّ عن العباد وحماية البيضة من فروض الكفاية، ومن أفضل القربات إلى اللّه. وقد حثّ القرآن على الخروج في سبيل اللّه، فقال عزّ من قائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ، إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}. وقال جلّ شأنه: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}. وغير ذلك من الآيات. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أنبّئكم بليلة أفضل من ليلة القدر: حارس حرس في أرض خوف لعلّه أن لا يرجع إلى أهله». وداوم النّبيّ صلى الله عليه وسلم على بعث السّرايا حتّى بلغت سراياه الّتي بعثها سبعاً وأربعين سريّةً. وأمر بعث السّرايا موكول إلى اجتهاد الإمام، وإلى من ينوب عنه من أمراء الجيش.
4 - صرّح الشّافعيّة بأنّ أكثر السّريّة: أربعمائة، أو خمسمائة، وأقلّها مائة. واستدلّوا: بحديث: «خير الصّحابة أربعة، وخير السّرايا أربع مائة، وخير الجيوش أربعة آلاف، ولن يغلب اثنا عشر ألفاً من قلّة». وقال محمّد بن الحسن: إنّه لا بأس أن يبعث الإمام الرّجل الواحد سريّةً، أو الاثنين أو الثّلاثة، حسب الحاجة، وقال: لم يرد النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالأربعمائة أنّ ما دونها لا يكون سريّةً، إنّما كان مراده صلى الله عليه وسلم: أنّهم إذا بلغوا هذا العدد فالظّاهر من حالهم أنّهم لا يرجعون من بلاد العدوّ قبل نيل المراد. بدليل أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم {بعث حذيفة بن اليمان في أيّام الخندق سريّةً وحده». «و بعث عبد اللّه بن أنيس سريّةً وحده»، «و بعث دحية الكلبيّ سريّةً وحده». «و بعث ابن مسعود وخبّاباً سريّةً». قال السّرخسيّ: أمّا ما روي من أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم «نهى أن تبعث سريّة دون ثلاثة نفر». فتأويله من وجهين: إمّا أن يكون ذلك على وجه الإشفاق بالمسلمين من غير أن يكون ذلك مكروهاً في الدّين، أو يكون المراد بيان أنّ الأفضل: ألاّ يخرج أقلّ من ثلاثة ليتمكّنوا من أداء الصّلاة بالجماعة على هيئاتها بأن يتقدّم أحدهم، ويصطفّ الاثنان خلفه. ومن حيث المعنى: فليس المقصود من بعث السّرايا القتال فقط، بل تارةً يكون المقصود أن تتحسّس خبر الأعداء فتأتيه بما عزموا عليه في السّرّ، وتمكُّن الواحد من الدّخول بينهم لتحصيل هذا المقصود أظهر من تمكّن الثّلاثة. وقد يكون المقصود أن يأتي أحدهما بالخبر، ويمكث الآخر بين الأعداء ليقف على ما يتجدّد لهم من الرّأي بعد ذهاب الواحد عنهم، وهنا يتمّ الغرض بالمثنّى. وقد يكون المقصود القتال، أو التّوصّل إلى قتل المبارزين منهم غيلةً، فيحصل هذا المقصود بالثّلاثة فصاعداً، لهذا كان الرّأي في تحديد السّريّة إلى الإمام أو نائبه ينظر بما فيه مصلحة المسلمين.
5 - يحرم خروج سريّة بغير إذن الإمام، لأنّه أعرف بما فيه المصلحة، والحاجة الدّاعية إلى خروجها، إذا كانت أفراداً من أهل الدّيوان، لأنّهم بمنزلة الأجراء لغرض مهمّ يرسل إليه فلا يجوز لهم الاستقلال بأمر الخروج، أمّا إذا كانوا من المتطوّعة الّذين إذا نشطوا غزوا وليسوا من أهل الدّيوان فيكره خروجهم بغير إذن الإمام. وينبغي للإمام إذا بعث سريّةً، أن يؤمّر عليهم أحدهم. قال السّرخسيّ: وإنّما يجب هذا اقتداءً برسول اللّه صلى الله عليه وسلم فإنّه داوم بعث السّرايا، وأمّر عليهم في كلّ مرّة، ولو جاز تركه لفعله مرّةً تعليماً للجواز، ولأنّهم يحتاجون إلى اجتماع الرّأي والكلمة. ولا يحصل ذلك إلاّ إذا أمّر عليهم بعضهم، فيطيعونه، فالطّاعة في الحرب أنفع من بعض القتال. ثمّ استدلّ محمّد بن الحسن على ذلك بأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا خرج ثلاثة مسلمين في سفر فليؤمّهم أكثرهم قرآنًا وإن كان أصغرهم». وإنّما قدّمه لأنّه أفضلهم، ثمّ قال: إذا أمّهم فهو أميرهم، فذلك أمير أمّره رسول اللّه صلى الله عليه وسلم. وذهب الشّافعيّة إلى أنّ التّأمير سنّة، وليس بواجب. وينبغي أن يؤمِّر عليهم بصيراً بأمر الحرب وحسن التّدبير، ليس ممّن يقحمهم في المهالك، ولا ممّن يفوّت عليهم الفرصة إذا رأوها، ويسنّ أن يكون ممّن يوثق بدينه، مجتهداً في الأحكام الدّينيّة، ويأمرهم بطاعة اللّه ثمّ طاعة الأمير ويوصيه بهم، ويأخذ البيعة عليهم بالثّبات على الجهاد، وعدم الفرار. ويستحبّ خروجهم يوم الخميس، وأوّل النّهار. لقوله صلى الله عليه وسلم: «اللّهمّ بارك لأمّتي في بكورها».
6 - إذا بعث الإمام سريّةً من الجيش وهو من أرض العدوّ فغنمت شاركهم جيش الإمام فيما غنمت، وإن غنم الجيش في غيبة السّريّة شاركته. فقد روي «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم: لمّا غزا هوازن بعث سريّةً من الجيش قبل أوطاس فغنمت السّريّة فأشرك بينها وبين الجيش». وروي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «ويردّ سراياهم على قَعَدتهم» " من لم يخرجوا مع السّريّة " وفي «تنفيل النّبيّ صلى الله عليه وسلم في البداءة بالرّبع، وفي الرّجعة بالثّلث» دليل على اشتراكهم فيما سوى ذلك، لأنّهم لو اختصّوا بما غنموه لما كان ثلثه نفلاً. ولأنّهم جيش واحد، وكلّ واحد منهم ردء للآخر فيشتركون كما لو غنم أحد جانبي الجيش. وإن بعث سريّةً إلى دار الحرب وهو ببلدة فغنمت لم يشاركها الإمام ومن معه من الجيش وإن كانت دار الحرب قريبةً، حتّى لو بعث سريّةً وقصد الخروج وراءها فغنمت قبل خروجه لم يشاركها وإن قربت دار الحرب، لأنّ الغنيمة للمجاهدين، وهم قبل الخروج ليسوا مجاهدين. وإن بعث سريّتين إلى جهتين مختلفتين لم تشارك إحداهما الأخرى فيما غنمت. وإن أوغلتا في بلاد العدوّ والتقتا في موضع اشتركتا فيما غنمتا بعد الاجتماع. وإن بعثهما إلى جهة واحدة وكان أميرهما واحدًا، أو كانت إحداهما قريبةً من الأخرى اشتركتا في الغنيمة. والتّفصيل في (غنيمة).
7 - يجوز للإمام إذا دخل دار الحرب غازياً وبعث بين يديه سريّةً تغير على العدوّ أن يجعل لهم الرّبع بعد الخمس تنفيلاً. فيخرج الخمس ثمّ يعطي السّريّة ما جعل لهم وهو ربع الباقي، ثمّ يقسم ما بقي في الجيش والسّريّة معه. وإن بعث سريّةً بعد قفوله جعل لهم الثّلث بعد الخمس، فما قدمت به السّريّة أخرج خمسه ثمّ أعطى السّريّة ثلث ما بقي، ثمّ قسّم سائره على الجيش والسّريّة معه. والتّفصيل في مصطلح (تنفيل).
نهاية الجزء الرابع والعشرون
|